أهمية الفيلسوف والفلسفة في حياتنا :-
إن للفلسفة في حياة الإنسان أهمّية كبيرة، حيث إنَّها تعبّر عن الجانب الأهم من جوانب الرقي الإنساني، ولعلَّ الأصح أن نقول: إنَّه الأساس الذي تعتمد عليه كلُّ جوانب الرقي تلك، حيث إنَّنا لو نظرنا إلى أيِّ شيءٍ وأردنا تقييمه بشكلٍ صحيح، فإننا لا بُدَّ أن نتوجّه إلى ما يختصّ به ذلك الشيء دون غيره؛ لنرى كيف يكون فيه، فمثلاً لو نظرنا إلى شجرة التفاح وأردنا أن نقيمها، فلا بُدَّ أن ننظر إلى ما تختصّ به عن بقية الأشجار الأخرى، وهو إنتاجها لثمرة التفاح، فلو كانت الثمرة التي تنتجها تحتوي على صفات الكمال الممكنة لتلك الثمرة، فإننا سوف نحكم عليها بأنَّها شجرة جيّدة نحتفظ بها ونحافظ عليها، ولا نقيّمها أبداً على أساس ما تشترك به مع بقية الأشجار كالخشب أو الأوراق، فإنَّ هناك ما هو أفضل منها بـكثير من هذا الجانب؛ ولذلك نلاحظ أنَّها لو كانت لا تنتج ثمرة التفاح أو تنتجها بنحوٍ رديء، فإنَّا نحكم عليها بإنَّها رديئة ونزهد بها ونقتلعها؛ لنزرع مكانها شجرةً مفيدةً أخرى.
وأمَّا بالنسبة للإنسان، فإنَّ ما يمتاز به عن بقية الحيوانات هو قوَّته العاقلة التي صار بها سيّداً في الأرض، فتفعيل هذه القوَّة هو ملاك فضل الإنسان وتفضيله، وهذا هو مقتضى العقل والشرع معاً، قال مسكويه: (وإذا كانت القوى ثلاثاً كما قلنا مراراً فأدونها النفس البهيميّة، وأوسطها النفس السبعيّة، وأشرفها النفس الناطقة، والإنسان إنَّما صار إنساناً بأفضل هذه النفوس ـ أعني الناطقة ـ وبها شارك الملائـكة وبها باين البهائم، فأشرف الناس من كان حظه من هذه النفس أكثر وانصرافه إليها أتمّ وأوفر، ومن غلبت عليه إحدى النفسين الأُخريين انحطَّ عن مرتبة الإنسانيّة بحسب غلبة تلك النفس عليه.
فانظر رحمك الله! أين تضع نفسك، وأين تحبّ أن تنزل من المنازل التي رتّبها الله تعالى للموجودات؟ فإنَّ هذا أمر موكول إليك ومردود إلى اختيارك، فإن شئت فانزل في منازل البهائم فإنَّك تكون منهم، وإن شئت فانزل في منازل السباع، وإن شئت فانزل في منازل الملائكة وكن منهم، وفي كلِّ واحدةٍ من هذه المراتب مقامات كثيرة…)([1]).
ولعلَّ كلامه هذا مأخوذ من قول أمير المؤمنين عليه السلام : «إنَّ الله عزَّ وجلَّ ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوةً بلا عقل، وركّب في بني آدم كليهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو شرُّ من البهائم»([2]).
فحيث كان التفكير هو العمل الذي يقوم به العقل ومقتضى النفس الناطقة في الإنسان، فهو أهم عمل يصدر عنه وبه يتميِّز عن غيره من المخلوقات، وحيث كان التفكير العقلي البرهاني أشرف أنواع التفكير كما تقدَّم بيانه، كان أشرف عمل يقوم به الإنسان.
والتفكير الفلسفي لمَّا كان متعلّقاً بالموجود من حيثية وجوده، والبحث عن علله الأولى وخاصّةً واجب الوجود وصفاته وأفعاله، والتي منها بعث الأنبياء وتنصيب الأئمّة لهداية الناس، كان التفكير الفلسفي أرقى وأشرف أنواع التفكير، فهو من حيث الكيفيّة أرقى أنواع التفكير، ومن حيث الموضوع والمتعلّق فهو متعلّق بأشرف موضوع كما هو واضح.
فالتفكير الفلسفي له أهمّية كبرى في حياة الإنسان لأنَّه متعلّق بتحديد العقيدة التي يحملها، وبالتالي ما يترتب عليه من جوانب عمليّة وآيديولوجيّة، فحينما يواجه الإنسان التيارات الفكريّة والدينيّة والمذهبيّة والعقائديّة الكثيرة والمتباينة ليس له وسيلة لتحديد الصحيح من الفاسد منها إلَّا العقل؛ لأنَّه هو الأداة التي ثبتت حجّيتها بنحوٍ ذاتي ولم تحتج إلى غيرها في ذلك، بل غيرها تحتاج إليها.