ما علاقة علم الاقتصاد بعلم القانون
أن القضاء هو الحصن المنيع لضمان تحقيق العدل بين الناس، ورفع الظلم عنهم، وإذا تراجع القضاء في أداء دوره، فإن الدول وحتى الإمبراطوريات العظيمة، تتعرض لخطر الضياع والبعثرة، هذه حقيقة مباشرة لا شك فيها ولا جدل.
وصار القانون جزءا لا يتجزأ، من دراسة علم الاقتصاد الحديث، وفي آخر التطورات على هذا العلم المتجدد، والمتداخل مع باقي المباحث العلمية والإنسانية والفقهية، برزت اقتصادات البيئة.
وثار السؤال بداية، عن تقدير العقوبات المترتبة على مصنع، يصب سموماً في نهر من الأنهر، ما أضر بالثروة السمكية، فهل يجوز للصيادين أن يطالبوا المصنع بالتعويض، ومن هو الذي يقرر حجم الضرر، وعلى أي أسس يقدره ؟ وما هو نصيب الصيادين من التعويض ؟ وكيف يوزع بينهم؟.
ولكن قضية القانون أعمق من ذلك، فهنالك أسلوب فض الخصومات بين المتعاقدين، وقد رأينا مثلاً أن "عقد المقاولة"، و"عقد الاستخدام" بين العاملين وأصحاب العمل، كلها تنظم علاقة اقتصادية بين طرفين. فإذا حصل نزاع، فهنالك عدة طرق لفض النزاع، وأهمها وآخرها القضاء والمحاكم .
وبرز لنا في الآونة الأخيرة أيضاً، فرع جديد متخصص في علم الاقتصاد، وهو "علم اقتصاد الجريمة" ، وهو يسعى لفهم طبيعة الجريمة الاقتصادية، ودوافعها، والعقوبات الرادِعة لها .
وبالطبع، هنالك المحاكم الشرعية، التي تسعى لتسوية الأمور، بين أصحاب الحقوق في أمور الوراثة، والزواج والطلاق، وغيرها من الأمور، وإذا جلست في محكمة شرعية، لتستمع إلى القضايا التي تعالج هنالك، لأخذت فكرة واضحة عن أهمية العدالة، والإجراء المطلوب لتنفيذ العدالة بعد صدور القرار.
والناس في سعيهم كل يوم، معرضون لجانب من جوانب العدالة، سواء إن خالفوا السير، أو شهدوا شجارا، أو اشتروا سلعة أو خدمة، أو تخاصموا مع سائق تكسي، لا يستخدم عَداده، أو مع شخص خرج من مكان ما، ليطالبهم بثمن خدمة لم يطلبوها.
هذا من حيث الأمور العادية، ولكن المحاكم مليئة بآلاف الملفات لقضايا تنتظر أن ينظر فيها .
ولذلك، فإن اللقاء الذي منحه جلالة الملك قبل أيام في الديوان الملكي لرئيس السلطة القضائية، وأكد فيه القائد الأعلى على استقلالية القضاء وفاعليته، ورفع كفاءة القضاة بالتعليم والتدريب، هو أمر في غاية الأهمية؛ لأنه يشكل بابا من أبواب العدالة
الكبرى .
إن استقلال القضاء ونزاهته، يعكسان باستمرار نزاهة الدولة وقوتها، فالقضاة في العصور الذهبية الإسلامية، كانوا أقوى وأكثر استقلالية عن السلطة التنفيذية .
ونرى الحال في الدول الكبرى في العالم، فصحيح أن السلطة التنفيذية ترشح أعضاء المحكمة العليا، والمجلس التشريعي يقر تعيينهم، وتصدر إرادة عليا (القائد الأعلى) بتعيينهم، إلا أن القضاة بعد ذلك، يتمتعون باستقلالية عليا، ولا يجوز لأي مسؤول تنفيذي، أن يتدخل في قرارهم أو يعكسه، إلا من خلال المحاكم، بهدف الدفاع عن الصالح العام.