سمات منهجيه الحوار القرآن الكريم هى:
من سمات الحوار في القرآن أن يكون هادفا ومنصفا وعادلا؛ ولم يقطع القرآن الكريم باستحالة هداية المعاندين منذ البداية, ولم يكن توجيهه للحوار مع هذه الفئة من الناس توجيه اليائس من قبولهم للحق أو خضوعهم له؛ بل كان الحوار صادقا في الرغبة بهدايتهم, ومخلصا في إسداء النصح لهم, وعادلا من خلال محاورتهم رغم غياب حجتهم وتهافت مبرراتهم، حتى تنقطع حججهم الواهية, ويصبح العنف والقهر ملاذهم الأخير للتغطية على هزيمتهم أمام الحق.
لقد عرض القرآن في حوارات المعاندين أساليب الاستدلال العقلية بكافة أشكاله وألوانه. وإذا كانت دعوة الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- لأقوامهم اتسمت باستخدام الحكمة والموعظة الحسنة والبراهين العقلية والاستناد للفطرة الإنسانية، فإن حوار القرآن للمعاندين لم يجتزئ من هذه الأساليب شيئا, بل ربما احتل الحوار القرآني للمعاندين اهتماماً أعظم كمّاً وكيفاً.
ومن أجلى صور سمة العدل في الحوار القرآني مع المعاندين أنه أكد أن الحق في قضية الإيمان بالرسل واحد لا محالة, وأنه لا يمكن أن يتعدد, ومع أن جميع الأدلة تشير إلى أن الحق هو ما جاؤوا به من عند الله, إلا أن القرآن عرض الاحتمالين معاً, حيث قال تعالى: (وإِنَّا أَو إِيَّاكُم لَعَلَى هُدًى أَو فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قُل لَا تُسأَلُونَ عَمَّا أَجرَمنَا ولَا نُسأَلُ عَمَّا تَعمَلُونَ) سبأ: 24- 25. قال ابن كثير: "هذا من باب اللف والنشر، أي: واحد من الفريقين مبطل، والآخر محق، لا سبيل إلى أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو على الضلال، بل واحد منا مصيب، ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد، فدل على بطلان ما أنتم عليه من الشرك بالله".
ومن سمات الحوار القرآني -كذلك- مع المعاندين استخدامه أسلوب مجاراة المعاند، وعدم الانجرار معه لجدال لا طائل منه, والالتفات على الحجة التي لا يستطيع معها الجدال والمراوغة. تماما كما فعل إبراهيم -عليه السلام- مع النمرود الذي حاول حرف المفاهيم عن حقيقتها، حين زعم أنه يحي ويميت لا على الحقيقة التي أرادها نبي الله إبراهيم، بقوله: (إِذ قَالَ إِبرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحيِي ويُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحيِي وأُمِيتُ) البقرة: 258.
فلم يسترسل نبي الله إبراهيم معه في مغالطته للحقيقة, بل التف على ذلك بعرض دليل لا يستطيع المعاند المراوغة منه أو الجدال فيه: (قَالَ إِبرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأتِي بِالشَّمسِ مِن الـمَشرِقِ فَأتِ بِهَا مِن الـمَغرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ واللَّهُ لَا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ) البقرة: 258.
المصدر:اسلام ويب ، موقع موضوع. .