يوم السبع : يوم في آخر الزمان ، ينشغل الناس فيه بالفتن عن أمور معاشهم حتى تعدو السباع على الغنم .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح ، ثم أقبل على الناس فقال: (بينا رجل يسوق بقرة ، إذ ركبها فضربها ، فقالت : إنا لم نخلق لهذا ؛ إنما خلقنا للحرث)، فقال الناس: سبحان الله ! ، بقرة تكلم ؟ ، فقال: ( فإني أومن بهذا ، أنا و أبو بكر وعمر ، وما هما ثَمّ .
وبينما رجل في غنمه ، إذ عدا الذئب ، فذهب منها بشاة ، فطَلَبَ حتى كأنه استنقذها منه ، فقال له الذئب : استنقذتها مني ، فمن لها يوم السَّبُع ، يوم لا راعي لها غيري ؟ ) ، فقال الناس : سبحان الله !ذئب يتكلم ؟ ، فقال : ( فإني أومن بهذا ، أنا و أبو بكر وعمر ، وما هما ثَمّ ) " . متفق عليه واللفظ للبخاري
معاني الكلمات :
بينا رجل : أي بينما رجل
وما هما ثمّ : أي ليسا حاضرين ، والكلام عائد إلى أبي بكر الصديق و عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
عدا الذئب : هجم على الغنم
استنقذها منه : أي خلّصهما من الذئب
يوم السَّبُع : يوم في آخر الزمان ، ينشغل الناس فيه بالفتن عن أمور معاشهم حتى تعدو السباع على الغنم .
تفاصيل القصّة :
اعتراض بقرةٍ ، وشماتة ذئبٍ ، أعجوبتان من أعاجيب القصص التي حدثت في العصور السابقة ، وبقيت شاهدةً على عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى التي لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء.
وليس الهدف من هذه القصص وأمثالها من الغرائب مجرّد المتعة والتسلية ، أو إشباع الرغبة الإنسانيّة في معرفة كل ما هو عجيب ، بل الهدف منها ما تحمله من دروس نافعة ، وعظات قيّمة ، تعمل على ترسيخ العقيدة وتهذيب الأخلاق ، فتحدث بذلك تصحيحاً للتصوّرات وتقويماً في السلوك .
ولأجل هذا الهدف العظيم كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – ينتهز كل فرصة في تعليم الصحابه وتوجيههم ، خصوصاً عند اجتماعهم في أوقات الصلوات ، وكان منها إخبار الرسول عليه الصلاة والسلام بهاتين القصّتين بعد صلاة الفجر في أحد الأيّام .
القصّة الأولى ، فتتعلّق برجلٍ كان يملك بقرة ، يستفيد من لبنها ، ويستخدم البقرة في الحرث وفي أعمال الزرع .
بينما و الرجل في حقله قد أضناه التعب وأجهده المسير ، فكّر في استخدام بقرته في غير ما خُلقت له ، فركبها كما يركب الخيل ، وزجرها لتُسرع ، فإذا بالبقرة تلتفت إليه وتكلّمه بلسان فصيح : " إنا لم نخلق لهذا ؛ إنما خلقنا للحرث " .
إنه أمرٌ عجيب ، خارقٌ للمألوف ، إلى حدٍّ جعل الصحابة يهتفون قائلين : " سبحان الله ! ، بقرة تكلم ؟ " ، وما كان قولهم تكذيباً لما أخبر به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو إنكاراً له ، حاشاهم أن يصدر منهم ذلك ، ولكنّه كان وليد دهشة أصابتهم ، وحيرة تملّكتهم ، عند سماع الخبر .
ويعقّب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على ردّ فعلهم بقوله مؤكداً : ( فإني أومن بهذا ، أنا و أبو بكر وعمر ) ثقة بهما ، لعلمه بصدق إيمانهما ، وقوّة يقينهما ، وكمال معرفتهما بالله جلّ وعلا وقدرته .
القصّة الثانية , أكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظته ، أن ذئباً عدا على غنم أحد الرعاة ، فأمسك بإحداها وساقها أمامه ، لكنّ الراعي استطاع أن يلحق بالذئب ويُنقذ شاته ، فجلس الذئب غير بعيدٍ عن الراعي ثم قال : " استنقذتها مني ، فمن لها يوم السبْع ؟ " ، وهو يوم يأتي في آخر الزمان ، حين تقع الفتن ويكثر البلاء ، فيذهل الناس عن مصالح دنياهم ، وتُترك الأنعام هملاً لا راعي لها ، فتعدو عليها الذئاب والسباع ، وهذا هو المقصود بــ :" يوم لا راعي لها غيري " .
ويتعجّب الصحابة مرّة أخرى لسماعهم كلام الذئب ، فيبيّن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنّه يؤمن بذلك هو وصاحباه ، على الرغم من عدم وجودهما معه في تلك الجلسة ، للسبب ذاته .
وقفات مع القصّة
إذا تجاوزنا الحديث عن القدرة الإلهيّة المشار إليها في الحديث ، فثمّة إشارة تربوية جليلة يجدر الوقوف عندها والتنبيه عليها، وهي أن البقرة على الرغم من كونها مجرّد حيوان يعيش وفق دوافعه الغريزية ، ويعلم وظيفته في الحياة ، ويدرك أن الله سبحانه وتعالى وضع نواميس وقوانين كونيّة وسنناً إلهيّة لا يجوز الانحراف عنها ، فهو بذلك يفضل كثيراً من البشر الذين تعجّ بهم الحياة ، ممّن يجهلون غاية وجودهم في الحياة ، ولا يلتزمون بالمنهج الربّاني الذي ينظّم سلوكهم وينسّق حركتهم ، حتى إنهم ليصدق عليهم وصف ربنا تبارك وتعالى: { إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا } ( الفرقان : 44 ) .
ووقفة ثانية عن قضية الإيمان بالغيب ، وهي العلامة الفارقة بين المؤمن الذي يؤمن بكل ما أخبر به النبي – صلى الله عليه وسلم – سواءٌ شاهد ذلك أم لم يشاهده ، وسواءٌ عقله وفهمه أم فاق ذلك تصوّره وإدراكه ، ما دام الخبر قد صحّ عن الصادق المصدوق ، وبين الكافر الذي يقف من تلك المغيبات موقف الشاكّ والمرتاب ، ومثلهم أصحاب المذاهب المادّية والمدارس العقلية الذين يقدّمون العقل على النصوص الصحيحة الصريحة الواضحة ، بحجّة أنها لا تتماشى مع عقولهم وأفكارهم القاصرة وافهامهم السقيمة .
كما يُضمّ هذا الحديث إلى جملة الأحاديث التي تبيّن فضل الصحابيّين الجليلين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وعظيم مكانتهما وعلو شأنهما ، فكانا بحقٍّ نعم الرفيقان لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حياته وبعد مماته .
(المصدر اسلام ويب)