نتائج تطور التقنية
تحليل نص ديكارت: السيطرة على الطبيعة (ص74)
إشكالية النص :
كيف يمكن للإنسان فرض سيادته وسيطرته على الطبيعة.. ؟ وما هي نتائج تطور علم الطبيعة على الوجودين الطبيعي والإنساني..؟
أطروحة النص:
يعتبر ديكارت أنه بإمكان الإنسان السيطرة على الطبيعة والتحكم فيها إذا هو اهتدى إلى معرفة قوانينها، وذلك اعتمادا على معرفته بمبادئ العلم وبما أسماه "الفلسفة العملية" الذي اعتبرها بديلا للفلسفة النظرية. ويرى أن معرفة الطبيعة تتم عن طريق إعادة إنتاج الطبيعة وليس فقط معرفة أسبابها وعللها والقوى التي تحتويها، كما ينتقد فلسفة المدرسة التأملية التي سيطرت على التعليم في أوربا إلى حدود العصر الحديث. فنستنتج من رأي ديكارت أن علاقة الإنسان بالطبيعة علاقة سيطرة وتحكم ومواجهة،
أفكار النص:
موقف ديكارت من الفلسفة التأملية النظرية هو البحث عن بديل لها، لأنها فلسفة عقيمة وغير مفيدة. ولا تنتج عنها أية منافع ملموسة على المستوى العملي لذلك رأى بأن يستبدلها بفلسفة عملية تكون مفيدة في حل المشكلات التي تعترض حياة الإنسان.
لقد كان لزاما على ديكارت الإفصاح عن مبادئ العلم الطبيعي لأنه يحقق فائدة للإنسان، فالتجارب أبانت عن مدى ما يمكن أن تجلبه مبادئ هذا العلم من منافع عظيمة للإنسان في الحياة.
يحدد النص العلم الطبيعي كعلم يقدم قوانين تفسيرية للطبيعة تسمح للإنسان بالسيطرة عليها. هكذا قال ديكارت بأن الفلسفة العملية الناتجة عن العلم الطبيعي تمكننا من معرفة الأجسام التي تحيط بنا كالنار والماء والهواء، كما تجعلنا سادة على الطبيعة ومالكين لها.
مفاهيم النص:
Ø الفلسفة التأملية : هي الفلسفة التي كانت تدرس في المدارس في عصره والتي كان يغلب عليها في نظره اللفظية والتلقين واعتبرها من ثم فلسفة عقيمة لأنها كانت تهتم في العلم فقط بمعرفة معاني الأشياء الطبيعية.
Ø الفلسفة العملية: إنها فلسفة تهتم بخصائص الأجسام المادية والطبيعية واستعمال أدوات ووسائل لتحقيق ذلك، وليس اعتمادا على الوصف والكلام فقط، وعن طرقها سيتم الوصول في النهاية إلى السيادة على الطبيعة وتملكها .
Ø علم الطبيعة:هو العلم الذي يدرس الطبيعة بهدف معرفتها معرفة دقيقة.
البنية الحجاجية :
استخدم صاحب النص مجموعة من الآليات الحجاجية من أجل الدفاع عن أطروحته:
Ø آلية الدحض : وتتمثل في نقد الفلسفة التأملية النظرية التي كانت سائدة في القرون السابقة، والمؤشر اللغوي الدال عليه من النص: " وأنه يمكننا أن نجد بدلا من هذه الفلسفة النظرية … فلسفة عملية..."
Ø آلية المثال: لتبيان فائدة العلم الطبيعي، اعتمد صاحب النص على إعطاء مجموعة من الأمثلة من الظواهر الطبيعية : النار، الماء، الهواء، الكواكب، السموات ... والغرض من ذلك هو توضيح أن معرفة مكوناتها والقوانين المتحكمة فيها، يؤدي إلى السيطرة عليها وتسخيرها لخدمة مصالح الإنسان.
Ø حجة المنفعة : دافع ديكارت عن علم الطبيعة، وعن الفلسفة العملية المرتبطة به، لأنهما أثبتا فائدتهما على مستوى الواقع الفعلي، وحققا للإنسان عدة منافع ، والمؤشرات اللغوية الدالة عليها لأن هذه المبادئ أبانت لي أنه يمكننا الوصول إلى معارف عظيمة النفع في الحياة...اختراع عدد لا نهاية له من الصنائع التي تجعل المرء يتمتع من دون أي جهد بثمرات الأرض... الغرض الرئيسي منه أيضا حفظ الصحة..
تحليل نص مشيل سير : ضرورة التحكم في التحكم (ص 75)
إشكال النص:
ما هي نتائج تحكم التقنية والعلم الحديث في الطبيعة على مستوى الوجودين الطبيعي والبشري..؟ وكيف ينبغي التحكم في هذا التحكم..؟
أطروحة النص:
لقد أدى العلم الحديث إلى التحكم المفرط في الطبيعة، مما أدى إلى ممارسة العنف عليها، وتهديد حياة الإنسان، وتكبيده خسائر فادحة. هكذا يتحتم حسب مشيل سير ضرورة التحكم في هذا التحكم الأول، وذلك عن طريق تقنين وعقلنة سيطرتنا على الطبيعة.
حجاج النص
اعتمد ميشيل سير في صياغته لأطروحته القائلة بضرورة إعادة النظر في علاقة الإنسان بالطبيعة، وذلك من خلال إحداث تحكم جديد في التحكم العلمي والتقني الحالي، على مجموعة من الآليات الحجاجية نذكر منها:
ü آلية العرض: يعرض صاحب النص للشعار الذي رفعه ديكارت في فجر العلم الحديث، والمتمثل في الدعوة إلى بذل أقصى الجهود من أجل استخدام العلم والتقنية للسيطرة على الطبيعة وامتلاك طاقاتها ومواردها. والمؤشرات اللغوية الدالة عليه من النص : "هذا هو شعار ديكارت... " و "هذه هي الفلسفة المشتركة..."
ü آلية النقد: والمؤشرات اللغوية الدالة عليه : " إن التحكم الديكارتي يؤسس العنف..." و " إن علاقتنا الأساسية بموضوع العالم أضحت تتلخص في الحرب... " و " إن التحكم لا يدوم طويلا... فيتحول إلى عبودية…"
ü آلية المقارنة: استخدم صاحب النص مقارنتين:
الأولى: تمثلت في إقامة نوع من المساواة بين الخسائر التي أدى إليها التحكم التقني للطبيعة والذي بدأ مع ديكارت، وبين الخسائر التي يمكن أن تخلفها حرب عالمية وراءها.
الثانية: تمثلت في المقارنة بين العلاقة بين الإنسان والطبيعة في القديم وفي الحديث، وذلك بإقامة نوع من التشابه بين العلاقتين؛ ففي القديم كان الإنسان خاضعا للطبيعة وفي حاجة ماسة إليها لتلبية ضرورياته البيولوجية، أما اليوم فيمكن الحديث عن خضوع من نوع ثاني للإنسان تجاه الطبيعة حيث أصبح ضعيفا أمامها وتهدده وتتملكه، وذلك بسبب إفراطه في التحكم فيها بواسطة العلم والتقنية.
تحليل الأطروحة:
ينتقد ميشيل سير الموقف الديكارتي المبني على منطق التحكم في الطبيعة، هذا الموقف المرتبط بعصر الحديث والذي بشر بمعرفة الطبيعة تماما كما يعرف المهندس الآلة التي صنعها.
لقد كان من نتائج هذا الاتجاه انتشار نوع من العنف الموضوعي كما سماه "ميشيل سير " ليس تجاه الطبيعة فحسب بل اتجاه الإنسان نفسه، وهكذا إذا التحكم في الطبيعة الذي دعا إليه الإنسان أصبح وبالا على الإنسان نفسه، حيث تحولت الطبيعة ضده، فأصبحت هي التي تهدده، وتسعى إلى التحكم فيه وتملكه تملكا عالميا وليس محليا كما كان الشأن بالنسبة للإنسان العصر القديم.
لذلك أصبح ملحا الآن العمل على التحكم في تحكمنا كما يقول ميشيل سير حتى لا تتحول السيادة التي بشر بها ديكارت سابقا إلى عبودية في وقتنا الحاضر.
إن نقد ميشيل سير للأطروحة ديكارت التي تتحدث عن فكرة التحكم في الطبيعة، والدعوة إلى استبدالها بمنطق التحكم في التحكم البشري، ليس المقصود به تجريم التقنية وإدانتها، بل المقصود هو ترشيدها وإقامة نوع من الحكامة إزاءها.