(آمنوا )
أول منجي و أساس النجاة من الخسران هو الإيمان, الإيمان للإنسان كالماء للحياة, من غيره سيكون من مجرد حيوان ناطق و بهيمة تأكل و تشرب و تتعفن وتموت, وأول سؤال من جبريل عليه السلام لمحمد صلى الله وعليه وسلم عندما أتى يسأله عن دينه هو ما الإيمان؟, الإيمان دائما يطلق على الإعتقاد يشئ غيبي غير معاين أو محسوس فأنت لا تقول انا أؤمن أن ابي يجلس امامي و لكن تقول أنا اؤمن ان ابي في مكان آمن, ولذلك كان جواب النبي عليه الصلاة والسلام (ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره), فنحن لم نرى الله ولا ملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا نعلم متى الساعة ولا نعلم خير القضاء وشره ولكننا نؤمن بها,وهذه الأصول الإيمانية الستة هي التصور و الإعتقاد الصحيح الذس يبحث عنه الإنسان ولن يستطيع عقله النسبي فهمه فلهذا بينها لنا الله, لأن اعتقاد و تصور الإنسان ينطبع على سلوكه فاليهود عندما اعتقدوا انهم شعب الله المختار دمروا العالم و اكثروا فيه الفساد لأنهم يرونهم خدم مسخرون لهم و المسلمون عندما آمنوا انهم خير أمة اخرجت للناس خدموا البشرية ونشروا السلام والإطمئنان, والإيمان في القرآن مرتبط بالفلاح فيقول الحق سبحانه (قد أفلح المؤمنون), والمؤمنون في القرآن ليسوا مجرد رهبان يتعبود في الصوامع لا فائدة منهم بل هم عالة للبشر وليسوا مجرد اناس أخلاقيين يعملون ويكدون ويخدمون كالآلات بلا تزكية للروح ولا تواصل مع رب الروح بل هم كما وصفهم الله في صلاتهم خاشعون, لاحظنا ان الله يصف علاقتهم المباشرة له فوصفهم (في صلاتهم خاشعون..... و على صلاتهم يحافظون) و وصف علاقتهم في البشرية فقال (وعن اللغو معرضون... و للزكاة فاعلون.... و لفروجهم حافظون... ولآماناتهم وعهدهم راعون), و يقول سبحانه (والذين على صلاتهم دائمون , والذين في اموالهم حق معلوم, للسائل و المحروم).
وبادق نداء يقول سبحانه (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا من الصادقين) فلا يكفي الإيمان الغيبي و لا التقوى القلبية بل لا بد من صدق يهذب المؤمنون فالإيمان و الأخلاق وجهان لعملة واحدة, فالمؤنون خدمة للبشرية و عبودية لرب البرية و ليسوا عالة على الإنسانية ولا جحودا عن رب البرية, يقول سيد قطب: الإيمان هو أصل الحياة الكبيرة الذي ينبثق منه كل فروع الخير و تتعلق به كل ثمرة من ثماره, فالإيمان هو مزود أساسي للإنسان في حياته الطويلة إلى الرحمن فمن غير هذا المزود سيتعب و يمل و يضل, و إن بدل أصوله التي تعلمها من الأنبياء سيفسد و يظلم, فموجة الإلحاد التي يشهدها العصر و فساد الديانت ادى لنتائج وخيمة, من انتشار الإكتئاب و معدلات الإنتحار و لأن الضمير أصبح غير مراقب من الله الذي لا يخفى عليه شئ انفلت -الضمير- فانتشر الظلم و السرقة و القتل و الزنا و ساد الفساد فأصبح الإنسان يقتل و يحارب أخيه الإنسان فأصبح في ضنك و ظلام, وتغير اركان الإيمان ضر أصحابه المعتقين بهو فتجد ذاك الهندوسي الذي لا يأكل و لا يتزوج منعزل أبد الدهر, وذاك المسيحي المنحل الذي لا يخاف مما فعل فما هو إلا اعتراف للراهب و الذنوب مغفورة, فلهذا تحتاج البشرية اليوم و إلى يوم الدين للإيمان الصحيح بالرحمن, كي يصب الإطمئنان في النفوس فنعيش في سلام بلا حروب وظلام.
وهبوب رياح الإيمان في البشر تحقق غاية وجودهم في الحياة(وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون)
-
( و عملوا الصالحات )
الإيمان تصديق قلبي لكل ما هو غيبي, فكيف نقيس صدق هذا الإيمان طالما أنه غيبي لا يلمس و لا يرى, العمل هو المعيار الذي يقاس به هذا الإيمان, لذلك لم يخاطب الله سبحانه المؤمن بإيمانه فقط بل بإيمانه وعمله فكل الخطابات كانت تقول (يأيها الذين آمنوا و عملوا الصالحات... و كل الأوصاف كانت تقول (إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات..., و لهذا اكمل جبريل عليه السلام سؤاله فقال ما الإسلام فقال عليه الصلات و السلام:أن تعبد الله وحده لا شريك له و تقيم الصلاة و تؤدي الزكاة المفروضة و تصوم رمضان و في رواية مسلم و تحج البيت, و العمل هو سر الحياة بل غايتها (هو الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم احسن عملا) (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملا) .
فلا يكفي أن يقول الإنسان انا مؤمن بالله بلا صلاة ولا زكاة مع سرقة و مراباة, فأين أثر الإيمان هنا و ما فائدته, يقول سبحانه عن كلمة التوحيد (الم ترى كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء, تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها و يضرب الله الامثال للناس لعلهم يتذكرون) و يا ليتهم يتذكرون, فمنن الآية نستطيع ان نقول أن الإيمان هو شجرة و العمل الصالح هو الثمرة و الأكل الذي تؤتيه الشجرة, فالإيمان بلا عمل كالشجرة بلا ثمرة اي انها شجرة عقيمة و من يريد شجرة عقيمة, و لاحظنا أيضا أن العمل في القرآن لا بد أن يكون صالح غير طالح, صالح تصلح به النفوس و لهذا يقول جل من قال عن الصلاة (تنهى عن الفحشاء والمنكر) الصيام (لعلكم تتقون) و الزكاة (تطهرهم وتزكيهم بها) الحج (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج).
الدين السماوي لا يكتمل إلا بثلاث اولا الإيمان الثابت الغير منحرف (وإلهكم إله واحد لا إلا إلا هو الرحمن الرحيم) ثانيا الشرع و المنهج الرباني (يعلمهم الكتاب و الحكمة) (لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا), و اخيرا التزكية الروحية الأخلاقية (كما أرسلنا رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا و يزكيكم.., اما العمل الطقوسي الذي لا يهذب النفوس فهو عمل لكنه غير صالح لأنها لم يصلح النفوس, فكما يقول حجة الإسلام الغزالي رحمه الله العمل بلا علم لا يكون و العلم بلا عمل جنون مع استبدال كلمة العلم بالإيمان, و لهذا لم يكتفي جبريل عليه السلام بالسؤال عن الإيمان و العمل بل اكمل فقال ما الإحسان فقال عليه الصلاة والسلام ان تعبد الله كانك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك, فقمة قرب العبد لربه عبارة عن خلق سامي الا و هو الإحسان, بل كلمات التوحيد عبارة عن صفت خلقية فهي الكلمة الطيبة كلمة الإخلاص كلمة الإحسان إنها ببساطة كلمة الحق, فالإنسان المؤمن ذو العمل الصالح لا يكون إلا ذو سلوك سليم ذو نفس مطئنة, و العمل الصالح هي عبادة لرب البرية و خدمة للإنسانية هو عمل ذو صلاح دنيوي وأخروي, فبينما يرفع العمل الصالح لأعالي الدرجات في الجنة, فهو أيضا سيرفع النفوس لقمة السمو في الدنيا, ونفوس كهذه مملوءة بالمحبة و العطف و الحنان والسلام والعدل والإخلاص والصدق والرحمة خالية من الحقد و الحسد والغضب والشح والنفاق والظم, فبها سيعيش البشر في نور وسلام بلا حروب وظلام.
العمل الصالح ينشر السلام لأنه امرا بالمعروف, العمل الصالح يقضي على الفواحش لأنه نهيا عن المنكر, العمل الصالح يقضي على الفقر لأنه صدقة تظهر إيمان القلب,العمل الصالح يصلح بين الزوجين لأنه رأفة و رحمة,
العمل الصالح سور العقل عن الجنون و التوهان لأنه تفكر و تبصر, العمل الصالح يصلح الإنسانية لأن تحيى أمة واحدة عابدة لإله واحد هو الرحمن الرحيم.
الكلام يصعد إلى الله و لكن العمل الصالح يرفعه الله