كيف نبنى السفينة فى غياب المصابيح والقمر مظفر النواب:
نظمت هذه القصيدة في أحداث الحرب الأهلية اللبنانية1975 وألقاها مظفر النواب في أمسية شعريةعام 1976.
واقفٌ في الخراب
أسمّيه عاش جلالتكم
مرةً يَنبُت العقم ضد القوانين
يَحتَرِمُ الإنحطاط كرامته
يقف القبر منحنياً
من جلال الولادة بالجهض
هذا الفساد الحضاري يُلهمني
أتحول من خيبتي حلزوناً
يعشعش في الطين مُستبسلاً
وتُطوِّر فيّ
عِلم المشارط والجراحة
من كل هذا الجمال المُهدَّم
عرش سليمان يُبنى
وقد أرسلوا هدهداً عارفاً بالنساء
ألا فافرحي يا بغياً تُسمّى
وقلبي مستوحش
يا بغياً تُسمّى
وأرقص بين الجنازات
لون الجنازات هذا دميم
يوم الجنازات هذا جميل
إنّا أمة ترقص الرقصة البدوية
قدّام قاتلها
جاءت الساعة الصعبة
جاءت الساعة الصمت
ما تمّ في الظلمات
ففي الظلمات سفيه تلفّت
صمت تفرّخ فيه المآتم
أيوب في الليل
أيوب في لحظات التفسخ
أيوب ينمو
وتأتي الظباء من البَرِّ مُورِقَةً
جاءت الساعة الصعبة
الصعبة.. الصعبة
واقتَحمِوا
صاحت القِيَمُ البربرية
كان الجراد المغولي
يأكل أقدام أيوب
أيوب مستسلماً
فَتِّشوا الجلد والحشوات
المليئة بالسل والقمل
لا تلتفت أيوب.. لا تلتفت
وأغار الجراد على عين أيوب
أيوب مستسلماً
ورأيت الجراد يجرجر عينيه
أيوب مستسلماً
أيوب في الموقف الدولي
وجرادة وقفت في الخراب
تُنظف أسنانها
أيها الرَّب
إن بقية أيوب تنبض
قف بالخراب
وقَفت
وكنت أراهم
كما السنديان المكابر
في الرعد
فلتفرحي يا بغياً تُسَمّى
ففي مجدك اكتملت
جوقة العزف
لكنها الساعة الصعبة الآن
والإختيار الذي
فضح الضالعين في الضفتين
وأعرف أن الدماء الزكية
تدعو العقارب
إقتربي.. إقتربي يا عقارب
إقتربي.. إقتربي
أيتها الصحف الأجنبية
واكتسبي فرحاً يانعاً
وانظري للعرايا على الأرض
تم الحصاد بِهِنَّ
فقد كان فَقرٌ يدافع
منذ قليل وأخفق
ما أقبح الفقر حين يدافع
يا أيها الفقر هاجم
وأعلنها علناً
إنني عالمٌ بكل
الوثائق والسندات
وهو واقفٌ في الخراب
أرى الإنتهاك يراقبني
والدويلات ترفع
أعلامها الطائفية مزهوة
نَفَذّوا سنداً واحداً
والبقية جُيِّرت
إن هذي النبوءة قد عذبتني
ولست أقول سوى
عاشت الشقق
الملحقات بِنَجد
ويعقوب راقب بَنيكَ
لقد دخل العُقم هذي المتاهة
ما أصعب اللعب بالعُقم
ما أصعب البندقية
حين تُصَوّب
في ضحكةٍ لصغير
وتتركه في المحاق
أيها السافلون
أما تستحي البندقية
حين ترى إمرأةً
تتوسل تحت البصاق؟
أما تستحي القمة العربية
من قاتل يجهل اللغة العربية
يحكي مطالبها؟
أما يستحي الشعب من صمته؟
إن طاولة الزهر
قد ضاقت بنا فاستحوا
أنت قف بالخراب
أنا واقف
والخرائب تركض
والطلقات تزيد الصفيح المثقب
فقراً ومَذَلة
وأقول الحق لا أستحي
إن القبور الفقيرة
كانت على الجَبهتين
وبيروت ما احترقت
إنما أُحرِقَت
وقِحٌ أنت
قِف بالخراب ولا تتطاول
- واقفٌ لا علاقة لي
غير أني طفحت الحزن
صارت عيوني ترى من قفاها
وقد جِئتُ أمسح
وجه الشواهد من عَرَقِ الطَلق
فالأمهات يعانين
طَلقاً عظيماً بميتة أبنائهن
وقد تصبح روحي ساحة أمن
وينزل فيها الخراب البطيئ
أنا خائف من شبابك هذا الخراب
عواءُ طفلٍ يُشجعني أن أرى
أي وجه لنا في الحضارة
أعوي أنا
فالعواءُ يوازن هذا الخراب
وأحمل يتيماً تكوّم بين الصواريخ
نصبح يتيمين في عالمٍ
نَملِك اليُتمَ فيه
تجيئ إليّ بروحٍ عدائية
ثم تعطي الغريزة كل مفاتنها
فيمد يديه المحطمتين
ليحضن فيّ العواء
وأحضن فيه الذي حفرته القنابل
هذا بناءٌ جميل وهندسة للقيامة
لا بد أن جلالتكم تعرفون
بأن مشاعيةً سوف تَنبت
بين الخرائب قاطبة
وتقاوم كل المبيدات
من نفطكم
أتلفت في فرح
كان هذا انفجاراً
وأعطى صنوبرة من دخان
وثمة شارة ضوء
تواصل أعمالها
إبتدأ النَّهب
كنت أرى جثثاً
يصرخ الصمت والنهب فيها
وكنت أرى امرأةً تُستباح وتُنهب
والطفل يرضع من صدرها
كان يلعب في الإلتصاق
لكنهم بتروا راحتيه
وعاثوا بصرخته
شجر الحليب نما
حملت موجة كل أجراسها
فوق بيروت
كان المسيح على النهر
يغسل صلبانه
أغسلوا كعبة الله أيضاً من الآثمين
قُبَيل رحيل محمد
عن قبره في المدينة
ثَمَّ عطرٌ يؤرقني
وأزحت المشيمة
كان دخان البيوت الفقيرة مُنتشِراً
والتَفَتُّ إلى جهة الليل
سافرت في العشب من خجلي
كنت أسمع صرختها
قمراً يتآكل في خَجلٍ
أدخلوا الهمجية في طفلةٍ
مَن يُغطي على فخذيها
فإنهما كسرتا في مواجهة الله
كما نبتني الفرح
والخنازير تعبث
يا رب قد ملأوا فمها
بحساءٍ دافئ
أما تستحي يا رب منهمُ
لقد وسخوا الكون
فاغضب قليلاً
بلادك قد جعلوها
وعاءاً لآثامهم
هلالك قد جعلوه
وعاءاً لآثامهم
صليبك قد عقفته
العصابات نازيةً
خَجِلٌ.. خَجِلٌ.. خَجِلٌ
من حساء الخنازير
كانت تلوح بقيتها
حين إنتهوا
راقبت خطوة
الإنتصار المشين
لشدة ما حَشَوها ماتت
أيها الرب
هذا انقراض وليس صراعاً
وهذا سكوتٌ على الطائفية
والجاهلية والبربرية
يا جيفاً..يا نَتَنات
أين دياناتكم؟
أين عقائدكم يا بهائم؟
إن البهائم ما نهبت بعضها
ولماذا تركتم
على الجسد الغَضَّ
خِرقة ثوب مُبلّلة بالحساء
إنهبوها كي تكمل أخلاقنا
إنزعوا قرطها الطفل
فالسندات القديمة
تفتح فينا رصيداً جديداً
ويعقوب راقِب بَنيك
فهذا انهيار عظيم
وليس صراعاً
وإني على قدرتي
حاملٌ حجراً للبناء
ولكن على كُلِّ
هذا الخراب المُبَجَّل
كيف يتم البناء؟
وأُعلن محكمةً
واتهامي خطير
قِفوا
سأقولُ قراراً خطيراً
رأيت القتيل يساعد قاتله
والأدلة كافيةٌ
وأنا الآن أُرصَد من كل فَجٍّ
وكل قتيل يراقبني
كيف أجمع بين القرائن
وابتدأ العَزفُ فيَّ
ولكني كَشَفت عن الفَخّ
هذي النبوءة قد أفزعتني
هنا خِنجرٌ وهنا وردة
وردةٌ وخِنجر
فافهموا
بعضُ خَوفٍ له في النبوءة
مَنزِلة خَيبَر في المدينة
خرابٌ في المدينة
أُوشِكُ لمِا أرى من رؤى أعانقكم
إننا لغةٌ خبأ اللهُ
فيها مفاتيح جنته
ليت الفوارق الآن
تسقط ما بيننا
ألتجئُ الآن
إلى الحذر البدوي
إلى لغة الشرق
أقسم أني رأيت رؤىً
أقسم أني لم أكن حالماً
إنما جسمي كان في حُلمٍ
لم أكن يقظاً
إنما كان قلبي
يُوقِظُ الحِسَّ فيّ
قتلتني المدينة
لكن طلقتها
أشعَلَت فيَّ عشقاً
أكادُ أعانقكم
نَظّفوا العنف
لا تتركوا في السلاح
شكوكاً وراءَ السلاح
قفوا لحظة
أوقفوا العنف فوراً
وقِفوا
منذ عامين
حَدَّثت عنها
كشفت الثواني
وكان تراب الوجود ورائي
ورأيت وعِشت حزيناً
وعُدتُ رأيت وعدت مُعافى
لقد جئت من كل عُمقٍ
وكُلّي مُدَّخرات وحزنٍ
وأُبرِق.. فاستَمِعوا
وُلِدَ الآن مولود عشق
وبالعشق قال المُنجِّمُ يُنفى
ويرقبه كل بيتِ فساد
وبالعشق تُطلق نار
على جسدٍ فوضوي وأنمو
وبالعشق في بيت بيروت
أُوقِدُ كل شموعي
تبارك زيتك
أمُّ المدائن تلك
فما زيتٌ فيها ومُطفأَة
وتعاني فناءً بطيئاً
ليس لها كلّ
هذا الحريق المبارك
فلتفرحي وارقصي
وانفخي فخذيك المعذبتين
فأنا الآن أعرف مثلك
ما الحزن بالفرح الهمجي
وما الإتِّزان الذي مُمكنٌ
في اضطراب المقاييس
ها فاتحٌ فخذي كثور الأساطير
أزني بكل الحكومات
لكن بعشقٍ
بعشقٍ.. بعشقٍ..
سألقى الشوارع بعد الزنا
وأتمثل الفرح
أعرف أن العصافير
في الزُقَق المعدنية
تبقى تمسحُ ريشها
لصباحٍ جميل
أمسحُ ريشة حزني يارب
يا قادماً حولك الفقراء
وأسمع صوتك فيَّ يَحار
أيها القادم المُستَبِدُّ
جمالاً وعذلاً وخمراً
تقدم فإن المدائن واقفة هجرة
والجماهير غابت
عن المذبح الوطني
ما تَمَّ في الأفق
إلّا دبيبٌ من الفرح
المتعطش مستبسلاً
أي فِطر بهيج أطلَّ
من الوسخ المُتَرَفِّع
بين أصابع أقدامهم
والأكفُ الصغيرة في الضوء
كان لها عَفنٌ فُستُقي
وكان من الشمس
لونٌ رهيب
على عنقٍ سَلَخَتها السكاكين
هذا نبات حزين
وهذا مكان يُسمى
على كل خارطةٍ
وطناً عربياً
ولكن على الأرض
مُلكٌ لصهيون يُدعى
أضئ أيها المشهد
المتواضع للحِطَّة الآدمية
خَبِّر بأن النفايات
كانت فقيراً شريفاً
يَكِدُّ ويُطعِم مفرزةً من جياع
وهذا النهار البهاري
جثة أم وطفلتها
والذين هناك يَنمونَ
فِطراً وخبيزة في الصفيح
صغاراً قد ذُبِحوا بين أعين آبائهم
كل هذا يقال له وطن
وجلست إلى كل
هذه الطفولة
ناغيتها
كان صوت حنيني
يفوق المجاهيل
حفرت هذا النبات العجيب
تراءَت بدائية للتراب أمامي
حفرت بسبابتي الطين مستوحشاً
رَمَشَ الطين بين يدي
مقلة لصغير
وبعد ما كان يلعب مفتوحة
يرقص الفطر فيها
وأجفَلتُ
كان بها رعب جرارتين
تعابَثَ الحقد فيهما
أهلت التراب الرحيم
فناحت من الدفن
خُذني إلى حضن أمي
أنام قليلاً
بكيت وأطبقتها
وأهلت التراب الرحيم
وبعد قليل سمعت
لغاتٍ من النوم تبكي
وكان كأن من الفطر
طفل يُناغي
أورقي يا دمامل
في فرح الجسد الحي
وابتهلي
وانتشر أيها البرغش الزئبقي
ويا موت كُن تاجَ حزني
فإني إكتشفت بأني
مستفردٌ كأثاثٍ حزين
بهذا المزاد الجنوني
كل مُزاود تَفَحَّصَني
وتبارت على جسدي الشائعات
فأوقدت قناديل عشقي
على كل هذا التعاطف بين الكلاب
تبارت كتاباتهم
وقلت حزناً أشحّ
وتصعد فيَّ
طعوم الصداقة والخمر
كل الذين رحلت على مائِهم
خذلوا قاربي
واكتشفتهمو جدولاً موسمياً
وحين دَفنتُ
بأقصى المدينة فانوس حب
بكيت سنيناً وما زلت
لكن بعيداً عن الناس أبكي
علمني الدفن
أن أمسح الطين عن أصدقائي
وعلمني الدفن
أن يكون من الأنهر الأبدية مائي
وعلمني أعشق
الرحمة الازلية للأرض
وامرأتي حين أسكر
كل النساء
ولم أتلفت رهبة من جديد
فلست بلهف لجديد
فغداً سأرتمي على جسدٍ
يتحرك كالرمل
فاستعبديني فلن ألتفت
بِدلاءٍ بكت
بِدلاءٍ.. بِدلاءٍ بَكَت
أيها الصحو
مَشِّط لها شعرها الليلكي
فقد خرجت للبغاء مسلحة
صبغت وجهها بكل اللغات
وأعلن كل الأزقة
راودتها على نفسها
والملوك المواخير
قد كتبوا نَعيَها في بياناتهم
تركوها تعاني مخاضاً دميماً
من المرض الهمجي بأصلابهم
من شيوخ الخليج زنت
من شيوخ الحجاز زنت
من شيوخ اليسار
الذي ثلثه في اللسان
وثلثاه في اليمين زنت
كل بارقة لقَّحَتها
وبعض السفارات
قد واقعتها سحاقاً
تَفشَّى السِّل بها
والسيلان الخطير
فألقوا بها
عند باب بذاءاتهم بامتهان
تعاني من الطلق والخجل المتأخر
ليس لها الآن من أحدٍ
غير فانوسها
وطنٌ آخر يولِمون عليه
وقد أعلنوا في الدكاكين عنه
ووالي الجزيرة
قد أعطى كثيراً
ليأكل سُرَّتها
أيها السادة إنصرفوا
أجهظت
كلما قد كتبتم
على رحمها بالمداد الملوث
وأعطت الآن عشرين ألف قتيل
فهذي ولادتها
تخرج الآن متعبة
تشتري الخبز في خجل
وعفاف نشيطين
كالخبز تعرف جيرانها الفقراء
أزالت مساحيقها
فضحت سندات الصهاينة
المثقلين مكاييلهم
فإذا طفح الكيل
خَفّت موازينهم
أمهم هاوية
آه يعقوب
راقب بنيك
فما افترس الذئب يوسف
لكنه الجب
آه من الجب في الأمة العربية
أنا واقف في العراء أدونهم
حطموا رقماً في الخيانة
أجمعهم وأحاكمهم
بسم عشرين ألف دم
إن عِلم الشوارع عِلمٌ عظيم
تعلّم وكُن العراء
الذي يحكم البحر
يأتي بآنية من ندى ذهبي
وصوت النوافذ يكشف
أي خواء هناك
ولقد هاجرت مدن من مواقعها
ثَمّ شاحنة
تنقل السرقات الانيقة
في الأفق
وامرأتان تُسِرَّان لبعضهما
تحت ستر سماءٍ رصاصية
وصراخ رضيعٍ
يكوّم ليلاً صغيراً
على أمهِ المُستباحة
جاءَ جنود سليمان
أيها النمل
فأدخلوا لمساكنكم
من هنا مرّ وجه المذابح
فاشتعلت هدنة
فاخرجوا الآن
نبحث عن موتانا
واستغلوا الوجوه
لغَضبةِ عين.. لصرخة
والصغير يتوق
لغمضة عين بلا صرخة
كنت أغفو وأحلم
وتأتين مقبرة بالقرنفل والحب
أوتحملين رضيعاً
إلى رجل ميت
كنت فيهم مثالياً
فاض القرنفل
من بعض آنيتي
بالملاحم طَرَّزتُ ثوبي
أفقت وأنت لدى قدمي
بكل انتظارك مملكة
زهدت نكهتي يا حبيبتي واكتملت
وتلبد عمر العروبي
وكنت تعودت
الملمس الرطب في النار
أخبز أمزجةً وآنية
أزعم أني رأيت
القتيل يصاوب قاتله
إن هذا القرنفل
من صلب آنيتي
لم تجيئي بشيئٍ
وكانت لنا قصة أثمرت
إنما قطعوا الماء عنها
فلم يكتمل الثمر
إنتظري
إن نهاراً سيأتي ونورق ثانية
وإذهبي
إنما ترجعين إذا رجع الماء
واتحد الوطن العربي حزيناً
أحبك رغم الحرائق والنهب
والثأر والقمع والقهر
والسلطات السخيفة
فاستَعذِبيني
أنا وطن
ثَمَّ شيئٌ غريب
أَصحوٌ بلا نجمةٍ؟
أفِراشٌ بلا جسدٍ شَرِسٍ؟
أي نار تبث الضفادع
في هذي الليلة الأبدية؟
كيف تراقب هذي الضفادع كَونَاً
وكيف أحَرِّك كيفَ
قيثارتي في خِضَمّ المعازف
ماذا تقول عصا قائد الوتريات
ثَمَّ ارتباك وفوضى
فإن الخليقة في هذه الظلمات
تُدوزِن آلاتِها
ولذلك أحمل قيثارتي
بين قوى الجموع الفقيرة
أنتظر الإتِّساقَ المفاجئ للعازفين
لكي أبدأ النغمة البِدء
إن عذابي وعشقي
قد أعطياني
حَقَّ التفرد والبدء
أنا واقف للقيامة
أعطي الإشارة أن نتوحد
فالصحو نجمٌ كما النجم صحو
وكيف الفِراش بلا جسد شرس
أعزف العشق فيه
وأعطي فصول التَحوُّل
أعطي الفصول مع النار
كيف الدخول على النهر
كيف البقاء مع النهر
يا من جميع المعازف
من أجل يومك
كيف تأخرت مستعجلاً
من تكونين أيتها القوة العبقرية
في جسدي؟
إنني أحمل الآن مقبرة
رفضتها القيامة
مستعجلاً بين عشب البراري
أحاول إيقاظ أمواتها
إستيقظوا.. إستيقظوا
يا أيها الناس قوموا من القبر
أيها الناس موتوا صحيحاً
إن الرياح تنبئني
أن طوفان نوح هناك
فابنوا السفينة ماكِنَةً
أوقدوا جيداً يا شباب
نرى خشب السنديان
وكونوا لدى معمل الليل
نعطي لهذي السفينة هيكلها
ولا تبوحوا بَسرّ
فإن الطواعين
بَثَّت براغيثها
وإسمحوا لي
أوَجِه أول أخشاب هذي السفينة
لي خبرة بالبناءات
مارستُها بوفاءٍ
وأحمل ناري
ولا ملك لي
غير حلمي بهذي السفينة
في كل يوم من الجاهلية
داويت أخشابها
كنت أستقرئ الله
حتى وصلت الدِرايَة
كنت أزيل المعالم خلفي
وأترك فيها
محاذرة أن يُخادعني
الناكصون إلى رجعة
وصعدت.. صعدت
وأعطاني الكون
أول أسراره في البناء
بأن أبتدئَ واقفاً
وأكون أنا خشباً في بنائي
الآن أوقدوا جيداً يا شباب
فإني قد وَهَنَ العظم مني
واشتعل الرأس شيباً
ما زلت ألقم نارك يا ربُّ
من خشبي وزيتوني
وأعرف كيف أحب ترابي
فمن لاتراب له لا سماء له
والقناديل قد رجفت
وتوسلت بالزيت أن يستمر
فإن الرياح الكريهة قادمة
أيها القادم المستبد
جمالاً وعذلاً وخمراً
تعال
كفرت بمن يحملون القواميس
في حرب صفّين هذي
فأول كل العلوم التراب
فمن لا تراب له
لا سماء له
فلَكُ وحِساب
أنجّم أن المكاييل مهما تُوازن
فالإختلال الرهيب
سيقلب كل المواني
فابنوا السفينة ماكنة
أوقدوا للسفينة كل شموع الصبا
لنرى ما صنعناه
حين المصابيح غابت
ونفحص أنفسنا
ونفحص الناس
نفحص كل الحروب
فإن إختلاط الضحايا
مع المقاتلين مُصاب
أنا واقف في الخراب
أسميه أو لا أسميه عن حذر
إنما هل شبعتم
صبايا وغلمان؟
من كل هذي السبايا
أحمل المقبرة
وأحاول إيقاظ أمواتها
إستيقظوا.. إستيقظوا
أيها الناس قوموا من القبر
أيها الناس موتوا صحيحاً.