تدبير الملائكة
إنّ القرآن الكريم يعرّف الله سبحانه هو المدبر والتوحيد في التدبير من مراتبه فله الخلق والتدبير ، ولكن هذا لا ينافي أن يكون بينه سبحانه وبين عالم الخلق وسائط في التدبير يدبرون الأُمور بإرادته ومشيئته ، ويؤدّون علل الحوادث وأسبابها في عالم الشهود ، والآيات الواردة حول تدبير الملائكة كثيرة تدل على أنّهم يقومون بقبض الأرواح وإجراء السؤال ، وإماتة الكل بنفخ الصور وإحيائهم بذلك ووضع الموازين والحساب والسوق إلى الجنّة والنار.
كما أنّهم وسائط في عالم التشريع حيث ينزلون مع الوحي ويدفعون الشياطين عن المداخلة فيه وتسديد النبي وتأييد المؤمنين.
وبالجملة هم {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [الأنبياء : 26 ، 27] فالله سبحانه يجري سننه ومشيئته بأيديهم ، فيقبض الأرواح بواسطتهم ، وينزل الوحي بتوسيطهم ، وليس لواحد منهم في عملهم أي استقلال واستبداد ، وفي الحقيقة جنوده سبحانه يقتفون أمره (3).
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حقّ الملائكة : فمنهم سجود لا يركعون ، وركوع لا ينتصبون ، وصافُّون لا يتزايلون ، ومسبِّحون لا يسأمون ، لا يغشاهم نومُ العين ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، ولا غفلة النِّسيان ، ومنهم أُمناءُ على وحيه ، وألسنة إلى رُسُله ، ومختلفون بقضائه وأمره ، ومنهم الحفظةُ لعباده والسَّدنَة لأبواب جنانه ، ومنهم الثابتة في الأرضين السُّفلى أقدامُهُم ، والمارقةُ من السماء العليا أعناقُهُم ، والخارجة من الأقطار أركانُهم ، والمناسبة لقوائم العرش اكتافهم. ناكسة دونه أبصارهم ، متلفِّعون تحته بأجنحتهم ، مضروبة بينهم وبين من دونهم حُجُب العزَّة وأستار القدرة ، لا يتوهَّمون ربَّهم بالتَّصوير ، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين ، ولا يحدُّونه بالأماكن ، ولا يُشيرون إليه بالنَّظائر (4).
وقد عرفت أنّ المقسم عليه هو كتبعثن ، وأمّا الصلة بين المقسم به والمقسم عليه ، هو ما قدمناه في الفصل السابق وهي انّ الملائكة هم وسائط التدبير وخلق العالم وتدبيره لم يكن سدىٰ ولا عبثاً بل لغاية خاصة وهو عبارة عن بعث الناس ومحاسبتهم وجزائهم بما عملوا.