ما هي عوامل تخلف دول الجنوب وتقدم دول الشمال
ان العالم متنوع بثقافاته وانظمته السياسية وطرائق انتاجه وتبادله للسلع , كما انه مختلف في مستوى تطور وسائل الانتج والرساميل المتوافرة للاستثمار ومستوى المعيشة.فمقابل الرفاهية في بعض المجتمعات نجد البؤس في اخرى . وفي القرية الكونية تعاظمت التناقضات بين مجموعة بلدان غنية حاكمة واخرى محكومة فقيرة , وظهرت للدلالة على هذا الواقع تسمية عالم الشمال وعالم الجنوب.
فما عالم الشمال ؟ ما حدوده ؟ وما خصائصه ؟
اولا : عام الشمال حدود غير ثابتة
1- الحدود ومعايير التصنيف:
تعكس التسمية الجغرافية عالم الشمال موقع الدول الغنية في النصف الشمالي من الكرة الارضية. اجمالا والى الشمال من الدول الفقيرة.
وهي تشمل اميركا الشمالية واوروبا واليابان. ولكن الموقع الجغرافي المذكور لا يتناسب تماما مع مفهوم الغنى والفقر . فاستراليا ونيوزيلاندا مثلا تقع في الجنوب لكنها تنتمي الى عالم الشمال . هذا الانتماء تحدده مؤشرات عديدة منها : نسبة النمو ومعدل الخصوبة , حصة الفرد من الناتج الوطني , العمر المتوقع عند الولادة , نسبة وفيات الاطفال , المستوى التعليمي ودليل التنمية البشرية.
2- التداخل بين الشمال والجنوب:
مجال متحرك انطلاقا من معايير التصنيف المذكورة يتداخل الشمال والجنوب وتنتقل الدول من مجموعة الى اخرى حسب تغير العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في تطور الدول . فقد سجلت عدة دول من عالم الجنوب ارتفاعا في مستوى التنمية الاقتصادية والبشرية وانتقلت خلال التسعينات الى عالم الشمال مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة. بالمقابل تراجعت التنمية في الدول الاشتراكية سابقا بسبب التغيرات الاقتصادية التي حصلت فيها كبلغاريا وروسيا مما جعلها في عالم الجنوب . لكن اذا تم اعتماد مؤشر التصنيع والتقدم التقني والعلمي فان روسيا تبقى ضمن عالم الشمال.
ثانيا: خصائص دول الشمال
1- نمو بطيئ بالسكان:
تتميز الدول الصناعية الغنية بانخفاض نسبتي الولادات والوفيات معا . وتتميز بالتالي بانخفاض معدل الخصوبة ليصل الى حد التجديد السكاني مما يعني مستقبلا نموا سلبيا في عدد السكان . ولانخفاض النمو السكاني هناك اسباب عديدة منها:
استقلالية المراة ودخولها ميدان العمل , الرغبة في الرفاهية والطموح لمستوى معيشة افضل , طول مدة التعليم والتاخر في سن الزواج ...
2 - حظ اكبر في مدى الحياة :
تسجل دول الشمال ارتفاعا ملحوظا في العمر المتوقع عند الولادة فيصل معدله الى 77 سنة . وهذا مؤشر يعكس اوضاعا غذائية وصحية وبيئية مناسبة لحياة مديدة. فالتغذية متوازنة في دول الشمال ونصيب الفرد من السعرات الحرارية يفوق 3150 وحدة يوميا . ويبلغ ما ينفق على معالجة السمنة في هذه الدول اكثر مما يلزم للقضاء على المجاعة في الهند وبنغلادش. وتغطي الضمانات والخدمات الصحية كافة فئات الشعب . ان انخفاض الخصوبة وارتفاع معدل العمر في البلدان الغنية اديا الى ارتفاع ملحوظ في نسبة كبار السن و هذا الواقع يفرض اعباء اضافية منها تامين الضمان الصحي والاجتماعي والعمل على تعويض النقص في الايدي العاملة عن طريق استيراد العمالة واعتماد المكننة.
3- المستوى التعليمي:
تكاد الامية تنعدم في الدول الصناعية هذا الواقع يفرضه قانون الزامية التعليم ويوفره مجتمع تكافؤ الفرص. وقد اصبح اكتساب العديد من المهارات التقنية والعلمية ضرورة يتطلبها سوق العمل مع تعقد الالات وادخال اجهزة الحاسوب في مراحل الانتاج.ولمواكبة التطور والحد من البطالة يخضع العاملون الى دورات تاهيل وتكوين خلال مراحل حياتهم المهنية . لذلك ترتفع انتاجية العاملين في الدول الصناعية وتنخفض في الدول النامية.
4- الدخل الفردي:
ان مستوى الدخل الفردي مرتفع في الدول الصناعية مقارنة مع الدول الفقيرة. تتعدد الاسباب التي تفسر ارتفاع الدخل في الدول الصناعية وبالتالي ارتفاع انتاجية العمل , واهم هذه الاسباب هي كثافة الرساميل المستثمرة , مكننة العمل , ارتفاع كفاءات العاملين , التحديث الدائم في وسائل الانتاج وطرائقه..
5 - ارتفاع قيمة دليل التنمية البشرية:
ان اقصى قيمة يصل اليها دليل التنمية البشرية هو 0,999 فقد سجلت دول الشمال قيمة 0,919 . يعتمد هذا الدليل لقياس الواقع الاقتصادي والغذائي ومستوى الخدمات الصحية , والثقافية والاجتماعية التوافرة لشعب ما , وبالتالي لتصنيف الدول بين شمال وجنوب .
ثالثا : عوامل تقدم عالم الشمال:
تضافرت عوامل ادت الى تقدم عالم الشمال وتراجع عالم الجنوب واهمها:
1- التراكم التاريخي للمال والتكنولوجيا:
كانت اوروربا الغربية نقطة انطلاق الثورة الصناعية في العالم قبل انتقالها الى اميركا واليابان , مما سمح لهذه الدول لتملك التقنيا ت منذ بدايتها وتثبيت نفسها كمراكز اقتصادية هامة. فتراكمت فيها الرساميل منذ اكثر من قرنين واقتسمت العالم وفق مصالحها استعمارا مباشرا ثم اقتصاديا وثقافيا.
2- مراكز القرارات الاقتصادية والسياسية :
ان الدول الغنية في مقدمتها الدول الثلاثية تقود حاليا الدعوة الى العولمة وهي تصدر منتوجاتها وقيمها الاستهلاكية الى مختلف انحاء العالم. وفي هذه المراكز تؤخذ اهم القرارات التي تؤثر على الاوضاع الاقتصادية والسياسية العالمية وتنفذها ادوات فعالة منها عسكرية ومنها مدنية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ووكالات الامم المتحدة بالاضافة الى فروع الشركات المتعددة الجنسيات المنتشرة في انحاء العالم كافة.
3 - مراكز علمية وتقنية فعالة:
يعتمد مبدا العولمة على تقنيات فعالة برزت في الربع الاخير من القرن العشرين واهمها الاقمار الاصطناعية . تنطلق هذه الاقمار وتوجه من قاعد موجودة في دول الشمال وهي تقوم بعدة وظائف يتعلق اهمها بالاتصالات والبحث العلمي وتوجيه العمليات العسكرية . بالاضافة الى مختبرات ومراكز ابحاث هي المرجعية الاولى لدول العالم . وتتزود دائما بافضل الادمغة من دول الشمال والجنوب على السواء.