6.0ألف مشاهدة
تلخيص فصل 17 من رواية في الطفولة عبد لمجيد بن جلون
بواسطة

1 إجابة واحدة

0 تصويت

في الطفوله

 

 هي السيرة الذاتية للكاتب المغربي عبد المجيد جلون وقصة حياته الخاصة وكانت هذه لونا جديدا من الروايه عند كتابته لاول مره وهو سرد السيرة الذاتيه

وهو اول خطاب أوطوبيوغرافي في مسار الرواية المغربية يسرد فيها الراوي وقائع حياته من النزاع مع الذات والنزاع مع البيئه المحيطه من المجتمع المتفاعل معهم

 

الفصل 17 من الروايه " في الطفولة "

 

 

17

 

 

عقد اجتماع آخر بعد الظهر في نفس المكان من الشارع الخلفي, وأخذ كل طفل مكانه حولي, فراقني أن يرتفع مقامي هكذا, وكان حديث الصباح قد أزال عقدة لساني فانطلقت أتحدث مرة أخرى عن مشاهداتي في بلاد الغرائب, والأطفال ينصتون في اهتمام.

 

قلت لكم أيها الأصدقاء إن البلاد التي كنا نتحدث عنها في الصباح - وأذكركم مرة أخرى بأن اسمها مراكش - بلاد غريبة. ولست أحب أن يتبادر إلى ذهن أحد منكم أن أهلها غرباء في أشكالهم, كلا بل هم مثلنا تماما كما قلت لكم في الصباح, ولو نقلتهم جميعا إلى منشستر ودفعتهم في حياتها لما كان في استطاعتنا أن نفرق بيننا وبينهم, ولهذا يجب أن تنسوا الزنوج والهنود الحمر والإسكيمو والغجر... وأنا أتحدث إليكم عن أمر هذه البلاد, فهي شيء آخر.

 

قال الطفل الصغير صاحب الصوت الدقيق الذي أثار هذا الموضوع في الصباح: أسمعنا الغرائب, نريد أن نسمع الغرائب.

 

قلت: حسن, دعني أتذكر. إن الحمَّام من هذه الغرائب. هل تظنون أن الناس في مراكش يدخلون على انفراد إلى الحمام حينما يريدون أن يغتسلوا? كلا فليس الحماَّم غرفة ضيقة بها حوض, وإنما هو مكان شاسع يحتوي على أبهاء دامسة يدخل الناس إليها زرافات بعد أن يكونوا قد نضوا ثيابهم, ولا يوجد به حوض, وإنما يقدم إليها الماء في جرادل كبيرة مصنوعة من الخشب, فيجلسون بينها... وهو مكان شديد الدفء يخنق الأنفاس. فإذا دخلت إليه رأيت الناس في الضباب وهم عرايا كأنهم أشباح هزيلة مخيفة, وهم لا يقلعون عن الكلام حتى في الحمام بل قد ينصرفون إلى العبث ورواية القصص والأحاديث كأنهم في بيوتهم.

 

كل شيء موجود في هذه البلاد أيها الأصدقاء, ولكن على طريقة غريبة. ففيها الأسواق ولكن أسواقها ليست مثل أسواقنا, بل هي تشتمل على صناديق كبيرة تكدست فيها البضائع, وقد جلس التاجر وسطها, وهذه الصناديق الكبيرة مصطفة على جانبي الطريق الضيقة, وقد جلس فيها التاجر أو استلقى وأصابعه تعبث بعقد كبير الحبات وانطلق يتمتم بكلام مهموس سريع وهو يحرك حبات هذا العقد على عجل, وأبواب هذه الدكاكين الصغيرة غريبة حقا, فهي لا تفتح بالطول وإنما بالعرض كأنها بابان, باب ينزل من أعلى وآخر يصعد من أسفل. وهي تحتوي على بضائع رائعة وخصوصا دكاكين الفاكهة. ولكن أغرب هذه البضائع هو السكر, هل تستطيع أن تشير إلى حجم قطعة السكر عندهم?

 

قال أحد الأطفال وهو يشير لي بحجمها ويقترب مني ليسمع ما سأقول: هل هذا هو حجمها?

 

قلت: هذه قطعة من السكر صغيرة جدّا, آه لو رأيتم قطع السكر في مراكش! إنها في هذا الحجم - قلت ذلك وأنا أفتح ذراعي بأكبر ما أستطيع - قطع كبيرة من السكر لم يكن يخطر على بالي أن لها مثيلاً في الحياة.

 

قال طفل مشهور بالملاحظات الدقيقة: وكم يضعون من هذه القطع في فنجان من الشاي?

 

قلت: دعك من هذا العبث; فإنه لا يوجد فنجان ولا إبريق يسع مثل هذه القطع الكبيرة من السكر. إنهم يأخذونها إلى منازلهم, ويكسرونها بواسطة مطرقة وسكين, فيجتمع الأطفال مثلنا حول من يقوم بهذه المهمة, ويلتقطون فتات السكر الذي يتطاير بعيدا ثم يأكلونه وهم يتضاحكون. والأطفال يترقبون هناك يوم تكسير السكر بفارغ الصبر, لأجل أن يلتقطوا ذلك الفتات.

 

قال الطفل المشهور بالملاحظات الدقيقة: ولماذا لا يشترون السكر وهو مكسور?! إنهم يتعبون أنفسهم.

 

قلت: لست أدري, لقد قلت لك إن عندهم كل شيء ولكن لكل شيء طريقته الخاصة. خذ مثلاً قصة الشَّعر عندهم, فهم أناس عندهم الشعر كما عندنا فوق رؤوسهم وفي ذقونهم. أما نحن فنحلق الذقن دون شعر الرأس, أما هم فيحلقون شعر الرأس دون شعر الذقن! إن ذقونهم في رؤوسهم, ورؤوسهم في ذقونهم!! هل أدركتم ما أريد أن أقول?

 

قال أحد الأطفال الكبار: هذا شيء ممتع حقّا, سوف يكون أول عمل أقوم به حينما أكبر هو الذهاب إلى هذه البلاد. ماذا قلت إنها تسمى?

قلت: مراكش.

 

فقال: مراكش, مراكش, مراكش لا بد من زيارتها, إن هذا الذي تحكيه عنها غريب وممتع: ذقونهم في رؤوسهم ورؤوسهم في ذقونهم! يا للروعة!

 

قال ذلك وهو يصفر ويهز رأسه إعجابا.

 

قلت: دعني أسرد عليكم ما رأيت دون تعليق, لأننا نريد أن ننصرف إلى ألعابنا, أليس كذلك? إذن فاسمعوا, هل تظنون أن الأطفال هناك يهتمون بلبس الأحذية? إنهم ينطلقون في الشوارع حفاة فيطأون الأحجار وقطع الزجاج وتسيل الدماء من أقدامهم وهم يعْدون. لقد رأيت إصبع أخي- فإن لي أخا في مراكش كما لا تعلمون - رأيت إصبع قدمه محطماً يسيل منه الدم وهو يتسلق شجرة.

 

وهل تظنون أن النسوة يتأنقن في الشوارع, ويهملن أنفسهن في المنزل كما عندنا? إن النساء يتأنقن في المنزل, أما في الشارع فهن يجتهدن في تشويه أنفسهن تشويها غريبا, فهن يتلففن في أزر بيضاء من الرأس إلى القدم دون أن يظهر منهن شيء. وأما في المنزل فهن يلبسن الثياب المزركشة الرائعة, ويتفنن في الزينة على عكس ما عندنا تماما.

 

ولا يجتمع النساء والرجال, بل يعيش كل فريق على حدة, يهرب الرجل من النساء وتهرب المرأة من الرجال.

 

- لا تقاطعوني ودعوني أحدثكم عما رأيت.

 

تصوروا أن الناس هناك لا يتقنون القراءة والكتابة, مثل الأطفال الصغار, فإن من بينهم من لا يعرف إلى ذلك سبيلاً. فقد استوقف رجل أبي ونحن في الشارع, وأشار له إلى رقم فوق باب إحدى المنازل وهو يسأله عنه, فأجابه أبي. ولما سألت أبي ماذا كان يريد, قال إنه كان يسأل عن رقم المنزل لأنه لا يعرف القراءة والكتابة. ولم يكن طفلاً صغيرا, وإنما كان رجلاً كبيرا.

 

كل شيء موجود في هذه البلاد أيها الأطفال حتى الجنائز. إن الناس يموتون هناك كما يموتون هنا, ولكنهم يسيرون إلى مقابرهم على طريقة غريبة. نحن نسير في الجنائز صامتين, أما هم فيسيرون فيها وهم ينشدون, وأيّ نشيد موقّع رائع! نحن نحزن للموتي فنصمت, وهم يفرحون لهم فينشدون.

 

وهل تظنون أن هناك ما يدعي العربة تشد إلى الحصان فيركب الناس العربة? كلا, إنهم يركبون الحصان مباشرة - والحمير في بعض الأحيان - دون أن يكونوا في حاجة إلى عربة تشد إليه. هذا ولا يركب الحصان إلا الممتازون من العلية.

 

وكل الألعاب التي توجد عندنا توجد عندهم, أعني عند أطفالهم, ولكنهم يلعبونها تبعا لأصول غريبة غير التي نعرفها.

 

ومنازلهم غريبة كذلك فنحن نحرص على أن تكون منازلنا شيقة في مظهرها الخارجي والداخلي معا, أما هم فمنازلهم لا قيمة لها من حيث مظهرها الخارجي, ولكنها في الداخل شيء آخر, إنها رائعة بما تشتمل عليه من بدائع وزخارف. ولا يمكن أن تصدقوا أن خلف هذه الأسوار العتيقة منازل في منتهى الروعة, الأعمدة المزخرفة, والطنافس, والحرائر, وكل ما يمكن أن يخطر على بال من الروائع.

 

وأحب أن ألفت النظر إلى التطيب. إن من الغريب جدا أن ترى هؤلاء الناس يتطيبون. فهذه الخادم تقبل إليهم بمضخات يحملونها في أيديهم, ثم يرشون بها ثيابهم, وفي أثناء ذلك تكون خادم أخرى تلهب النار في آنية من الفضة, فإذا ما انتهوا من الرش نصبوا ثيابهم الفضفاضة وقدمت لهم الخادم آنية النار فيضعونها تحت ثيابهم, ويتصاعد منها دخان ذو رائحة زكية منعشة, فيحرصون على أن يبقى هذا الدخان داخل ثيابهم, حتى إذا ما انتهت هذه العملية الطويلة, فاحت منهم رائحة الطيب. إن العطر عندهم دخان لا سائل.

 

ولست أستطيع أن أحدثكم عن لغتهم, لأنني لم أكن أفهم منها حرفا واحدا, فقد كان أبي ينقل إليّ كلامهم, ولكنني أستطيع أن أقول بصفة عامة إنهم يرفعون أصواتهم وهو يتحدثون, ويستعملون حروفاً غريبة يصعب...

 

كنت لا أزال مستمرّا في الحديث, ولكن فجأة تطاير الأطفال من حولي وهم يصيحون ويضحكون دون أن أدرك السبب, ولكنني لم ألبث أن أدركته, حينما وجدت نفسي وجها لوجه أمام منظف المداخن, هذا الرجل الذي كنا نذوب فزعا ورعبا حينما نسمع صوته وهو يمر بالشارع الخلفي. كنا نذوب خوفا من هذا الصوت المديد الذي كان يرسله ونحن في مأمن منه, فما الرأي وأنا أمامه الآن وحيدا وقد أطبق عليّ بشكل لم يعد لي معه مجال للالتحاق بالأطفال?!

 

تضاءلت في مكاني وأنا أرفع إليه بصري لأرى وجهه الذي علاه السُّخام كما علا ملابسه كلها. وكانت عيناه تبدوان من خلف السخام الأسود شديدتي البياض يتراقص في كل منهما إنسان قلق.

 

ورأيته يبتسم فبدت لي أسنانه أشبه بالتكشير, إذ لاحت لي من فرجة فمه أسنانه البيضاء البراقة كما لو كانت تتراقص في أمكنتها شوقا إلى السحق... وقد خطر ببالي أن أرفع صوتي بالعويل أو الصراخ. ولكن تبين لي أن ذلك لن يجدي فتيلاً, فقد أصبح في استطاعته أن يخنق صوتي قبل أن ينطلق من فمي. وبدت على وجهي أمارات الرعب وازداد هذا الرعب وهو يقترب مني ويقول بين أسنانه: ماذا تفعلون هنا في الشارع الخلفي أيها الأشقياء?!.. ألم ينهكم ذووكم عن اللعب في الشوارع الخلفية?!... هل يليق هذا بالأطفال المستقيمين?.. وعمّ كنت تحدثهم? هيه?

 

فلم أجبه, وكيف أستطيع الإجابة في هذا الجو الإرهابي الذي أحاطني به منظف المداخن? لذلك بدأت الدموع تتصاعد إلى عيني فقال: إذن أنت لا تريد أن تجيبني. حسن, وايْم الحق لأعلقنك وزملاءك في إحدى المداخن إذا وجدتكم تلعبون في طريقي مرة أخرى! والآن انطلق واحذر أن أراك ثانية هنا! دفعت الباب ببطء وأنا أنسحب مخافة أن يغير رأيه, فلما أصبحت في مأمن صككته في قوة وانطلقت أعدو وفي إثري ضحكاته العالية, ثم انقطع الضحك وبدأ يصيح مرة أخرى بصوته الحاد: (تنظيف المداخن! تنظيف المداخن!).

 

وظل يبتعد إلى أن فني صوته.

بواسطة ✦ متالق (161ألف نقاط)

اسئلة مشابهه

1 إجابة
5.1ألف مشاهدة
0 إجابة
101 مشاهدة
سُئل مايو 25، 2016 بواسطة مجهول
0 إجابة
104 مشاهدة
سُئل فبراير 25، 2020 بواسطة مجهول
0 إجابة
232 مشاهدة
0 إجابة
49 مشاهدة
سُئل فبراير 10، 2020 بواسطة مجهول
0 إجابة
89 مشاهدة
سُئل نوفمبر 30، 2019 بواسطة مجهول
0 إجابة
358 مشاهدة
1 إجابة
476 مشاهدة
1 إجابة
233 مشاهدة